سيرة ملك
حينما تسلم جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين سلطاته الدستورية، ملكا للمملكة الأردنية الهاشمية، في السابع من شهر شباط/فبراير عام 1999م، كان يعلن بقَسَمه أمام مجلس الأمة العهد الرابع للمملكة، التي كان تأسيسها على يد الملك عبدالله الأول ابن الحسين بن علي، ثم صاغ دستورها جده الملك طلال، وبنى المملكة، ووطد أركانها والده المغفور له باذن الله الملك الحسين طيب الله ثراهم.
تولى جلالته في هذا التاريخ مسؤولياته تجاه شعبه، الذي اعتبره عائلته، موائما بين حماسه وحيوية الشباب المتكئ على العلم والثقافة، وبين الحكمة المبنية على أسس موضوعية، نسيجها ضارب في جذور العروبة والإسلام.
رحلة المعرفة
لقد كانت مراحل حياة جلالته، منذ ميلاده في عمان في الثلاثين من كانون الثاني/يناير عام 1962م، سجلا معرفيا راكم لديه وعيا وثقافة ومعرفة جعلت من سيرته نموذجا لطالب المعرفة من مصادرها، مع إدراك حقيقي لأهمية التواصل الحضاري بين مختلف الشعوب، وإصرار على امتلاك خبرة نوعية معززة بتعليم مدني وعسكري في آن واحد.
بدأت رحلة جلالة الملك التعليمية من الكلية العلمية الإسلامية في عمان عام 1966م، وأكمل جلالته دراسته في أكاديمية ديرفيلد في الولايات المتحدة الاميركية، وفي جامعة جورج تاون في العاصمة الأميركية واشنطن.
وقد أضاف على الدراسة الأكاديمية خبرات عسكرية متنوعة في الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا، تدرج بعدها على درب الجندية، حيث بدأ في الجيش العربي قائدا لسرية في كتيبة الدبابات الملكية/17 عام 1989م، وبقي في صفوف العسكرية حتى أصبح قائداً للقوات الخاصة الملكية عام 1994م، برتبة عميد وأعاد تنظيم هذه القوات وفق أحدث المعايير العسكرية الدولية.
إن هذه النوعية المتميزة من التعليم التي حظي بها جلالة الملك عبدالله الثاني شكلت لديه الدافع القوي لتمكين أبناء شعبه من الحصول على تعليم متقدم وحديث، وقد عبر عن هذا بقوله: "طموحي هو أن يحظى كل أردني بأفضل نوعية من التعليم، فالإنسان الأردني ميزته الإبداع، وطريق الإبداع تبدأ بالتعليم".
الاستثمار في الإنسان
يؤمن جلالة الملك عبدالله الثاني، كما كان يؤمن والده المغفور له بإذن الله الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه، بأن ثروة الأردن الحقيقية هي الإنسان الأردني، وأن الاستثمار في الإنسان هو أفضل استثمار في بلد مثل الأردن يعاني من شحّ الموارد والمصادر الطبيعية.
وانطلاقاً من هذه القناعة بدأ جلالته، ومنذ اليوم الأول لتسلم سلطاته الدستورية عام 1999، مرحلة جديدة في إدارة الدولة، وقيادة مسيرة التنمية الشاملة، التي تتطلب اتخاذ خطوات كبيرة وعديدة، من اجل التحديث والتطوير والتغيير. ولأن الإنسان هو العامل الرئيسي في عملية التنمية، وهو هدفها ووسيلتها، فقد أكد جلالته ضرورة إعادة تأهيل الإنسان الأردني من خلال إعادة النظر في برامج ومناهج التعليم في مختلف مراحله ومستوياته، ووضع برامج التأهيل والتدريب، التي تؤهل المواطن لدخول سوق العمل والإفادة من ثورة المعلومات والتكنولوجيا التي تميز هذا العصر.
السياسة
يؤمن جلالة الملك عبدالله الثاني بأن الأردن هو وارث رسالة الثورة العربية الكبرى، ولذلك يجب أن يظل الأكثر انتماء لأمته العربية والأكثر حرصاً على القيام بواجبه تجاه قضايا هذه الأمة، وتطلعات أبنائها المستقبلية. وعلى رأس هذه القضايا القضية الفلسطينية، التي هي قضية الأمة العربية الأولى. ومن هنا فقد سار جلالته على طريق والده وأجداده في الدفاع عن القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني، والوقوف إلى جانبهم بكل ما للأردن من إمكانيات وعلاقات مع العالم.
كما استمر جلالته في العمل من أجل توحيد الصف العربي وتعزيز علاقات الأردن بأشقائه العرب، وبمختلف الدول الصديقة في أرجاء العالم.
أما على الصعيد الداخلي، فإن جلالته يعطي أولوية قصوى لتعزيز مسيرة الأردن الإصلاحية والديمقراطية في مختلف المجالات وحماية التعددية الفكرية والسياسية، ورفع سقف الحريات وحمايتها، وتشجيع الحركة الحزبية، واحترام كرامة الإنسان وحرياته في المعتقد والتفكير والتعبير والعمل السياسي.
السلام من صدق الإسلام
جلالة الملك عبدالله الثاني وارث الشرعية الدينية في ملكه ونسبه، فشرعيته ترتكز على "الإسلام والإنجاز"، والعدل بنظره هو أساس الملك الذي آل إليه بحكم النسب الطاهر والسلالة الشريفة الممتدة الى النبي الهاشمي محمد صلى الله عليه وسلم، وهو مؤمن بربط السلام بصدق الإسلام، ويعبر عن ذلك برعايته للفكر الإسلامي البناء والمستنير وبحرصه على اجتماع علماء المسلمين وتقارب وجهات نظرهم في سبيل تعميم ثقافة وسطية تهدف إلى تعزيز منهج معتدل يجمع المسلمين والمؤمنين ولا يفرقهم، وهو في هذا التوجه يؤكد التزامه بالدفاع عن الإسلام كأحد واجباته ومهامه كعربي هاشمي واعٍ لخطورة ما ينال حقيقة الإسلام من حقد وتجريح وتشويه بسبب موجات الطائفية والتطرف والانغلاق التي باتت تشكل خطرا على العالم بأسره، وهو في كل المحافل الدولية يشدد على أن: "على المسلمين في هذه الأيام أن يجاهروا بجرأة دفاعا عن إسلام معتدل: إسلام يعزز قدسية الحياة الإنسانية، يصل إلى المضطهدين، يخدم الرجل والمرأة على حد سواء، ويؤكد على أخوة الجنس البشري بأكمله، فهذا هو الإسلام الحقيقي الذي دعا إليه رسولنا الكريم، وهو الإسلام الذي يسعى الإرهابيون إلى تدميره".
محاكاة الشباب
وعلى الصعيد الوطني، يدرك الملك عبدالله الثاني عظيم مسؤوليته، ويلخص رسالته الوطنية بالشعار التالي: "تنمية مستدامة، عدالة التخطيط والتنفيذ، وتمكين الشباب لأجل مستقبل أفضل".
ترسيخا لهذا النهج، فإن جلالة الملك يزرع هذه المبادئ في شباب الأردن، الذين يمثلون أكبر القوى في المجتمع، لترسيخ هذا النهج لديهم، ولتمكينهم سياسيا ومعرفيا واقتصاديا، لأنهم "فرسان التغيير" في الأردن كما وصفهم جلالته في أكثر من مناسبة.
وهذه العلاقة بين الملك والشباب، لها طابع خاص، وبصمة حقيقية، جعلت من غالبية الشباب تحاكي الملك عبدالله الثاني في حكمته ونشاطه، متخذينه قدوة لهم في التصميم على الإنجاز والعمل على جميع الأصعدة، لتكون المحصلة ثورة علمية ومعرفية، توازن بين الأصالة والحداثة، وتترسخ كثقافة عمل تحترم الفرد المنتج.