خواطر في الدعاء وفضله
سألني سائل ذات مرة: مَنْ أعظم الناس توفيقا، فقلت: من أُوتي التوفيق في الدعاء.
ذلك أنَّ الدعاء مفتاح كلِّ خيرٍ طرق الوجود، ولا أدلّ على ذلك من أنّ أعظم رحمة مهداة، وأعلى نعمة مسداة، وهو محمّد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، هـو استجابة لدعاء إبراهيم - عليه الصلاة والسلام -، وكذلك ما نجا آدم - عليه السلام - بعد معصيته فحلَّت بركت نجاته على الوجود الإنساني إلاَّ باستجابة الله - تعالى -دعاءه، إثر الكلمات التي تلقاها من ربه، فعلَّمه كيف يدعو ويسأل المغفرة، والتوبة، ثم تاب الله عليه وزوجه.
وما أعظـم فقه الإمام الجليل مطرّف بن الشخير - رحمه الله - إذ قال: (تذكرت ما جماع الخير فإذا الخير كثير: الصوم، والصلاة..وإذا هو بيد الله - عز وجل -، وإذا أنت لا تقدر على ما في يد الله عز وجل إلاّ أن تسأله فيعطيك، فإذا جماع الخير: الدعاء).
وصدق - رحمه الله -، ما نال عبدٌ خيراً إلاّ بدعاء الله - تعالى -فيعطيـه، إما بدعائه لنفسه أو دعاء غيره له
ولهذا كان كلُّ ما أُويتناه، نحن أمّة محمد - صلى الله عليه وسلم - من الخيرات، والبركات، والعـزّ، والنصـر، كان استجابة لدعاء نبيّنا - صلى الله عليه وسلم - لأمَّته.
ذلك أنَّ في الدعاء يتجلَّى الإقرار بالعبودية، وتمام الإفتقار إلى الله - تعالى -، وإظهار ذلك، وإعلان الإنقطاع عن الخلق إلى خالقهم، وعن العبيـد إلى سيّدهـم، ولهذا صار الدعاء أكرم شيء على الله - تعالى -.
وقـد قال - عليه الصلاة والسلام -: (ليس من شيء أكرم على الله - تعالى -من الدعاء) رواه احمد وغيره من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
ولهذا صـار: (من لم يسأل الله - تعالى -يغضب عليه) حديث صحيح رواه الترمذي من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه-، ولهذا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (الدعاء هو العبادة)، ثمّ قرأ: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)، رواه أصحاب السنن وغيرهم من حديث النعمان - رضي الله عنه -.
ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: (أفضل العبادة الدعاء) رواه الحاكم، وغيره من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -.
ولهذا يبقى الدعاء، الذي هو رأس العبادة، في الآخرة، فينفع الله بها العبـاد، بينما ينقطع غيره، فيدعو محمد - صلى الله عليه وسلم - ربه في المقام المحمود، ويدعو لأمته عند أنواع الشفاعات التي آتاه الله - تعالى -، ويدعو المؤمنون ربهم ويناشدونـه أن يشفّعهم فيمن دخل النار ليخرجهـم منها، فيستجيب الله - تعالى -ذلك اليوم أعظـم الأدعيـة نفعا، وأعظمـها بركة على الخليـقة.
حتى إذا خرج من النار من خرج بالتوحيـد، وبقى فيها آخـر الخارجين، وأعصى الموحّدين، لم ينفعـه في شقاءه ذلك اليوم، إلاّ الدعاء فيستجيب الله - تعالى -دعاءه فينجّيه من الخلود في الشقاء الأبـدي.
والدعاء هو الذي لا يـردّ القضـاء غيـره، كما قال - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يرد القضاء إلاّ الدعاء، ولا يزيد في العمر إلاّ البر)، رواه الترمذي من حديث سلمان - رضي الله عنه -.
ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: (أعجز الناس من عجز عن الدعاء، وأبخل الناس من بخل بالسلام) رواه الطبراني من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
ذلك أنَّ الله - تعالى -أقدره على شيء به يُردّ حتى القضاء، ومع ذلك عجـز عنه!.
وإنما كان كذلك، لأن الدعاء هو ملك الأسباب وسيُّدها، وهـو أعظمها تأثيـرا في المسبَّبـات، وإن كان الجهال يظنّونه أضعفها، ولهذا لا يلجأون إليه إلاّ بعد استنفاذ الأسباب الأخرى، ولهذا يقول قائلهم في سياق الاستهانة بشأن الدعـاء: لا نملك إلاَّ الدعاء، وهذا كلُّه من الجهـل بحقيقة الدعاء، وبأثره العظيم.
ولأنَّ الدعاء هو ملك الأسباب وسيّدها، وجميع الأسباب الأخرى بالنسبة إليه كالجنود بين يدي الملك، وهو أعظمها تأثيرا، كان هو الذي يبقى إذ يسقط ما سواه.
فهل نصر الله - تعالى -رسله وأتباعهم إلاَّ بالدعاء، حتى لو ضاقت عليهم الأسباب، وتكالب عليهم الأعداء، وهل نصر الله - تعالى -نوحا، وهودا، وصالحا، وشعيبا، وموسى وهارون، وجميع الأنبياء - عليهم السلام -، إلاَّ بالدعاء.
وهل نصر محمداً - صلى الله عليه وسلم - في معاركه إلاّ بالدعاء، فلم يزل يقول بعد ذلك: الحمد لله الذي أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده.
وهل انتصر المسلمون على أعداءهم قط إلاّ بدعاء الضعفاء، كما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (أبغوني الضعفاء، فإنما ترزقون وتنصرون بضعفاءكم) رواه أصحاب السنن إلاّ ابن ماجة من حديث أبي الدرداء.
وقد روى البخاري عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص قال: رأى سعد أن له فضلا على من دونه من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - نحو هذا الحديث.
ولهذا لا أرى ما أصاب أمريكا من هلاك أموالها، وجمود اقتصادها، وفسـاد خزائنها، هذه الأيام، إلاّ بدعاء الضعفاء، والأيتام، والفقراء، الذين لاحقت أمريكا الأموال التي كانت تأتيهم، فأغلقت الجمعيات الخيرية، وجمَّدت حساباتها، وسعت في محاربة العمل الخيري الإسلامي، فحاق بهم ما كانوا يمكرون، وسنكتب عن هذا بإذن الله - تعالى -لاحقا بالتفصيـل، بعد انقضاء هذا الشهر الفضيل.
ولما كان الدعاء أكرم شيء على الله - تعالى -، كتب على نفسه ـ وهو أكرم الأكرمين - سبحانه - ـ إن لا يردَّ يـدَ عبده صـفْرا، وحرم على نفسه أنْ لا يعطي عبده السائل شيئا، وقد رفع يديه إلى ربه، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله - تعالى -حييّ، كريم، يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه، أن يردهما صفرا خائبتين) رواه الترمذي وأبو داود وغيرهما من حديث سلمان - رضي الله عنه -.
ومعنى هذا أن الله - تعالى -، لابد أن يضـع في يد عبده من كرمه وجوده، ثـم قد لا يكون ما وضعـه في يـده إجابة طلبه، لأنَّ إجابة طلبه قد لا تكون في مصلحته، وهو العبد الجاهل، يسأل ربَّه العليم الخبير، وربُّه أعـلم بمصلحته، فلهذا يحرمه مما طلب، ويعطيه خيرا مما طلب في الدنيا أو الآخرة.
كما قال - صلى الله عليه وسلم -: (ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: إذًا نكثر الدعاء، قال: الله أكثر).
هذا.. وإن الله - تعالى -، قـد أشار إلى أن بين إجابته دعاء عباده، واستجابتهم لدعاءه لهم بشكره، وطاعته، بين هذا وهذا علاقة وثيقة.
وذلك في قال - تعالى -: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ).
فكأنه يقول - سبحانه - تعالى -، كلَّما استجبتم لدعائي، استجبت دعاءكم.
وتصديق ذلك في كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - (احفظ الله، يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك) رواه الترمذي، وقال (تعرف على الله في الرخاء، يعرفك في الشدة) رواه الطبراني وغيره.
وأخيـرا فإن من أهم الدعاء، الدعاء للمسلمين، وعلى أعداءهم من الكافرين، كما كان دعاء الأنبياء، ودعاء نبينا - صلى الله عليه وسلم -، وفي القرآن (وانصرنا على القوم الكافرين) في غير موضع.
وهذا من أهم المهمات في الدعاء الظاهر الجماعي في مجامع الإيمان، ومجتمع المسلمين، كالجمع، والأعياد، ودعاء القنوت في رمضان، كما سـنَّ عمر - رضي الله عنه -.
وفي ذلك ربط مطلوب بين العقيدة، والجهاد، وبين الصلاة وصلة الأمة ببعضها، وبين الدعاء، وواقع الأمة.
فعليكم عباد الله بإخلاص الدعاء لله - تعالى -هذه الليالي العظيمة، وأكثروا من الدعاء بالنصـر والتمكين لأمة الإسلام، وخصّوا أهل فلسطين، لاسيما أهل غزة، وخصّوا المجاهدين من أمِّـتنا المجيدة فإنهم أبطالها، وزينة تاجها، وحراس بيضتها.
وادعو ربنا العظيم على أعداء المسلمين، وارفعوا إلى ذي العرش أكفَّ الضراعة، أن يجعل الدائرة عليهم أجمعين.
وهذا منا الدعاء، فأمِّنوا أيها القـراء..
اللهم إنا نسألك باسمك الأعظم، يا حي يا قيوم، يا منان، بديع السموات الأرض، يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا أنت، أن تصلي وتسلم وتبارك على عبده ورسولك محمد وعلى آله، كما صليت على إبراهيم وآله.
اللهم انصر الإسلام والمسلمين، وارفع راية الجهاد وانصر المجاهدين، اللهم انصر المجاهدين في فلسطين، وارفع الحصار عن غزة الإسلام والمسلمين، وأمدهم بمدد من عنـدك، وأيدهم بجند من جندك، اللهم انصر المجاهدين في العراق، وأفغانستان، والصومال، وفي الفلبين، وكشمير، وكلّ مكان، اللهم اجمع شملهم، وسدد رميهم، وانصرهم على عدوك وعدوهـم.
اللهم من اعتز بك فلن يذل، ومن اهتدى بك فلن يضل، ومن استكثر بك فلن يقل، ومن استقوى بك فلن يضعف، ومن استغنى بك فلن يفتقر، ومن استنصر بك فلن يخذل، ومن استعان بك فلن يغلب، ومن توكل عليك فلن يخيب، ومن جعلك ملاذه فلن يضيع، ومن اعتصم بك فقد هُدي إلى صراط مستقيم، اللهم فكن لنا وللمسلمين، وللمجاهدين، وليا ونصيرا..
اللهم يا منزل الكتاب، ويا مجرى السحاب، ويا هازم الأحزاب، ويا منان، يا بديع السماوات والأرض، نسألك اللهم أن تنزل بأسـك الذي لا يرد على القوم المجرمين، الذين اعتدوا على عبادك المسلمين في كل مكان من الأرض، اللهم زلزل الصليبين والصهاينة، ومن شايعهم، اللهم اطمس على أموالهم، واقطع دابرهم، ودمـّر خططهم، اللهم أحصهم عددا، واقتلهم بددا، وفرق شملهم، وشتت جمعهم، وردهم عن بلاد الإسلام إلى ديارهم خائبــين.
اللهم يا حىُّ يا قيوم برحمتك نستغيـث، أصلح لنـا شأننـا كلـّه، و لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين. آمين آمين آمين.