المسيحيين والمسلمين في سوريا
بريد إلكتروني
القدس – سافرْتُ قبل اثنتي عشرة سنة إلى دير في الصحراء السورية، حيث قابلت رجل دين إيطالي اسمه الأب باولو دال أوغليو، كان يعيش منذ عشرين سنة كراعٍ لدير مار موسى، وكان قائداً لمجتمع ديني صغير من الرهبان والراهبات الذين يتكلمون العربية، والذين كرسوا حياتهم للصلاة والضيافة والعمل اليدوي والحوار مع المسلمين. دُهِشْت وأنا أستقر هناك عندما لاحظْتُ المسلمين يزورون الدير طوال اليوم، معربين عن إعجابهم باللوحات والأرضيات في الكنيسة، منضمّين إلى السوريين المحليين المسيحيين لتناول طعام الغداء، بل وحتى الاعتذار للذهاب وأداء صلاتهم في زاوية هادئة من أراضي الدير. لم أرَ من قبل حباً بين المسيحيين والمسلمين يتجسّد دون جهد كهذا: تواصل بين بشر يتشاركون في حياتهم اليومية.
خلال السنوات التالية أصبحْتُ أعرف الأب باولو جيداً، واعتدْتُ على المسلمين الذين يزورون ديره يومياً تقريباً. أخبرني الأب باولو قصصاً. تكلم عن شيوخ مسلمين جاؤوا ليبحثوا دينهم وإيمانهم، وعن زوار مسلمين حضروا وهم يحملون الهدايا. وعن فنان مسلم بارز قام بنحت صليب للدير، وعن وجبات وأغانٍ ومخاوف مشتركة بين الدينين. إلى المسيحيين، سرد الأب باولو قصصاً عن المسلمين وحبهم للسيد المسيح ومريم العذراء والنبي محمد (ص). وللمسلمين سرد قصصاً عن الاحترام الذي أظهره المسلمون الأوائل تجاه الرهبان المسيحيين.
تصاعدت الأزمة في سوريا السنة الماضية، ونادى الأب باولو بالتسوية في محاولة لتجنب حرب أهلية. وفي نهاية تشرين الثاني/نوفمبر، أصدرت الحكومة السورية أمراً بطرده من البلاد.
مضت أسابيع وأنا أفكّر بما يعنيه طرد الأب باولو للسوريين المسيحيين. كان النزاع في العراق قد أدى إلى هجرة جماعية لما يزيد على نصف السكان المسيحيين في الدولة. كان تهديد الهجرة الجماعية في سوريا حقيقي كذلك، فقد وُضِعوا في موقف مستحيل. وكأقليات تتمتع بحماية الحكومة، أصيب المسيحيون المحلّيون بالرعب من أنه إذا وصلت أحزاب إسلامية إلى الحكم في الدولة فإن حقوقهم لن يتم الاعتراف بها. ولكن الحكومة الآن تطالبهم بأن يسكتوا ويتركوا المبادئ المسيحية بمجابهة الظلم والعمل من أجل السلام.
في نهاية المطاف، سُمِح للأب باولو بالبقاء في سوريا بعد أن وعد بعدم الكلام عن السياسة.
عندما كلمته قبل أسبوعين كان الدير الذي يعجّ عادة بالناس خالياً.
كنت خائفة في البداية بسبب طرده، و أنا الآن خائفة من الأحوال التي أدّت إلى صمته.
لا يعود الأمر لي لأن أطلب من المسيحيين السوريين البقاء، ولكنني لا أستطيع الصمت حول ما سيتم فقدانه لو تركوا. كذلك لا أستطيع تجنب ثمن صمتهم. لقد كُتِب الكثير عن دمار الآثار في بغداد، ولكن بينما يتصاعد النزاع ويصبح طائفياً في سوريا، قد يضيع شيء أكثر قيمة هناك: قرون من قصص المسلمين والمسيحيين يعيشون معاً.
لم تكن تلك القصص هي قصص الأب باولو فقط، فهي متأصلة في الثقافة: قصص عن راهب البحيرة، الذي تقول الروايات أنه قابل النبي محمد (ص) في جنوب سوريا، وقصص عن مسلمين ومسيحيين يزورون دير الصيدنايا معاً لتقديم الاحترام للسيدة مريم، أو ساعين للبحث عن رفات يوحنا المعمدان في المسجد الأموي، وعن وجبات طعام تقدَّم وصلوات تُتلى جنباً إلى جنب.
تتزايد أعداد الضحايا في سوريا. أسردوا قصة عن مسيحيين ومسلمين يعيشون معاً. قد تكون أصغر شكل من أشكال المقاومة، ولكنها مقاومة رغم ذلك. أنها تناضل ضد السرد الخطير للمسلمين والمسيحيين الذين يفرض قدرهم أن يكونوا على طرفين مختلفين من النزاع. إنها تعطي المسيحيين أوعية لتلك القصص، وسبباً للبقاء في المكان. إنها تخلق وتحافظ في لحظة على ما يبدو أنه قوى كثيرة مصرّة على تدميره. إنها تعطي صوتاً إلى هؤلاء الذين يسردون القصص، الذين يشعرون الآن بضرورة البقاء صامتين.
تعال، دعني أخبرك قصة.
###
* ستيفاني سلدانا هي مؤلفة "خبز الملائكة: رحلة في الحب والإيمان"، وهي مذكرات حياتها في سوريا. تدرس سلدانا في كلية "القدس بارد" في القدس. كتب هذا المقال لخدمة الأرضية المشتركة الإخبارية.
المصدر المقال: خدمة الأرضية المشتركة الإخبارية، 20 كانون الثاني/يناير 2012
www.commongroundnews.org تم الحصول على حقوق نشر هذا المقال.